الانكماش الاقتصادي العالمي هو مصطلح يتردد ذكره على وسائل التواصل الاجتماعي وضمن النشرات الاقتصادية وحتى ضمن جلسات الأصدقاء والعائلة وخاصة في السنوات الأخيرة. ولذلك يجب علينا فهم معنى هذا المصطلح جيدًا، بالإضافة إلى فهم تأثيره على جميع مناحي الحياة التي نعيشها.
ستتعرف عن مفهوم الانكماش الاقتصادي العالمي وآثاره على الدول والأسواق والأفراد. كما سنتحدث عن أسبابه وكيفية حلها، ناهيك عن حسم الجدل حول حقيقة كون العام 2023 بداية انكماش اقتصادي عالمي.
ما هو الانكماش الاقتصادي العالمي؟
من أجل فهم معنى الانكماش الاقتصادي العالمي، يجب علينا أولًا تعريف الانكماش الاقتصادي فهو حالة انخفاض في النشاط الاقتصادي لدولة ما.
بعبارة أخرى، هو انخفاض في معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي (والناتج المحلي الإجمالي مصطلح يعبر عن القيمة السوقية الإجمالية للسلع والخدمات المنتجة ضمن الدولة). وبالتالي يمكننا ملاحظة الانكماش الاقتصادي في دولة ما من خلال الانخفاض في:
- الدخل.
- أسعار السلع والخدمات.
- الإنتاج الصناعي.
- فرص العمل.
- البيع بالجملة.
- البيع بالتجزئة.
يحدث نتيجة عدة عوامل مثل الركود في القطاعات الاقتصادية والأزمات المالية وغيرها، وحينها يصبح معدل التضخم معدومًا أي 0٪. ولكن ذلك يؤدي إلى تراجع في مستوى المعيشة وتخفيض في دخل المواطنين وازدياد الديون الحكومية.
قد يبدو انخفاض الأسعار أمرًا جيدًا لكن انخفاض الأسعار المرافق للانكماش الاقتصادي يعني أن المعروض أكثر من الطلب وذلك بدوره يؤدي إلى خسارة كبيرة للمنتجين وإذا استمر الوضع كذلك من الممكن أن تحدث حالات تسريح جماعية وبالتالي ازدياد في معدل البطالة وانخفاض أكبر في الإنتاج.
جميعنا نتذكر جائحة كورونا في مطلع العام 2020، وهي السنة التي شهدت دخول الاقتصادات المتقدمة والأسواق الناشئة والاقتصادات النامية على حد سواء في حالة من الركود والانكماش الاقتصادي.
حيث واجه الاقتصاد الأمريكي مثلًا حالة من التباطؤ في الإنتاج، واتسمت تلك المرحلة بإجراءات فيدرالية لمواجهة الأزمة الاقتصادية، حيث اعتمد مكتب المساءلة الحكومية تقارير نصف شهرية لها علاقة بتمويل الاقتصاد الأمريكي بالإضافة إلى التوصيات والاقتراحات الدورية التي من شأنها تحسين الاستجابة للأزمة.
اقرأ أيضًا: 5 نصائح للاستثمار أثناء الركود العالمي
ما هي مؤشرات الانكماش الاقتصادي العالمي؟
نستطيع القول بأن اقتصاد العالم هو دلالة عن اقتصاد دولة ما يمر في حالة انكماش اقتصادي إذا اجتمعت هذه المؤشرات أو أغلبها على الأقل:
- انخفاض الناتج المحلي الإجمالي.
- تراجع في الصادرات.
- انخفاض في قيمة الأصول والسلع والخدمات.
- ارتفاع معدل الفائدة على القروض أو الديون.
- تراجع في حجم التجارة الخارجية والاستثمارات الأجنبية المباشرة على أرض الدولة.
- تراجع في الإنفاق الاستهلاكي.
- ركود سوق العقارات.
أسباب الانكماش الاقتصادي العالمي
في الواقع، هناك اختلاف في أسباب حدوث الانكماش الاقتصادي العالمي وتأثيره من دولة إلى أخرى، فكل حالة لها خصوصيتها، ومع ذلك، نستطيع ذكر أبرز الأسباب الشائعة للانكماش الاقتصادي وهي:
- الأزمات السياسية.
- تقلبات الأسواق المالية.
- سوء الإدارة الاقتصادية.
- الركود الاقتصادي في دول أخرى.
- ارتفاع الأسعار.
اقرأ أيضًا: ما هو الانكماش الاقتصادي، وما سبل علاجه؟
الأزمات السياسية من أسباب الانكماش الاقتصادي العالمي
في الواقع، تؤدي الأزمات السياسية إلى حالة من عدم الاستقرار وتراجع في الأمن، وذلك من شأنه أن يؤدي إلى تقلص في حجم التجارة الدولية بالإضافة إلى الاستثمارات الأجنبية من جهة، وانخفاض في التجارة الداخلية والعرض والطلب من جهة أخرى.
تقلبات الأسواق المالية
وذلك قد يؤدي إلى حدوث الانكماش الاقتصادي العالمي في أكثر من دولة أو منطقة ونتيجة لتقلب الأسواق المالية يحدث تراجع في حجم الاستثمارات بالإضافة إلى زيادة في أسعار الفائدة على القروض وغيرها.
سوء الإدارة الاقتصادية
قد يؤدي ضعف التخطيط الاقتصادي. بالإضافة إلى عدم مراقبة التنفيذ فيما يتعلق بالقرارات الاقتصادية والمالية، إلى تراجع في حجم الإنتاج المحلي والصادرات ونسب البطالة.
الركود الاقتصادي في دول أخرى
في الواقع، قد يؤثر الركود الاقتصادي في دولة ما على الدول التي تتعامل معها، وتعتمد عليها في التجارة والتبادل التجاري مما قد يؤدي إلى انتقال الآفة الاقتصادية إلى جميع الدول التي تتعامل معها.
ارتفاع الأسعار
الانكماش الاقتصادي العالمي الناتج عن التراجع في الإنفاق الاستهلاكي من الممكن أن يحدث بسبب موجة سريعة وغير مبررة من ارتفاع الأسعار، وقد ترتفع أسعار الخدمات والسلع لأسباب كثيرة.
كيفية قياس الانكماش الاقتصادي العالمي؟
نستطيع قياس الانكماش الاقتصادي العالمي عبر عدد من المؤشرات الاقتصادية وأهمها:
- حجم الناتج المحلي الإجمالي (GDP): يتم حساب الناتج المحلي الإجمالي عادة لقياس حجم الإنتاج الاقتصادي في دولة ما وبالتالي العالم، وعندما يتراجع حجم الناتج الإجمالي يعني ذلك أنه من الممكن وجود انكماش اقتصادي.
- نسبة البطالة: نستطيع اتخاذ نسبة البطالة كمقياس يخبرنا بحالة الاقتصاد بشكل عام.
- الإنفاق الاستهلاكي: وهو مؤشر على حالة الطلب على السلع والخدمات. وبالتالي فإن تراجع الإنفاق الاستهلاكي يعد إشارة قوية على وجود انكماش اقتصادي.
- انخفاض الأسعار: وذلك يعطي دلالة على وجود انكماش في الاقتصاد.
- الصادرات والواردات: ويمكن اعتماد قياس حجم التجارة الخارجية كمؤشر على صحة الاقتصاد، وبالتالي عندما تتراجع كمية الصادرات والواردات فإن ذلك يعطي إشارة على وجود انكماش.
آثار الانكماش الاقتصادي العالمي
في الواقع، يؤثر الانكماش الاقتصادي العالمي على الجميع. وبالتالي يمكننا القول إن تأثيراته تشمل:
- اقتصاد الدول.
- سوق الأسهم.
- العملات الرقمية والمعادن الثمينة.
- الأفراد.
اقرأ أيضًا: هل سيتكرر في عصرنا؟ تعرّف على الكساد الاقتصادي وكيفية تجنبه
آثار الانكماش الاقتصادي العالمي على مستوى اقتصاد الدول
أبرز آثار الانكماش الاقتصادي على مستوى اقتصاد الدول:
- انخفاض الإيرادات الحكومية: ويعني انخفاض إيرادات الحكومة من الضرائب والرسوم وذلك يؤدي بالضرورة إلى صعوبة تمويل المشاريع والخدمات التي تكون الحكومة بصدد تنفيذها.
- تراجع الاستثمارات: وذلك يؤدي إلى ضعف النمو الاقتصادي على المدى الطويل.
- تراجع في العلاقات التجارية: وذلك يؤدي بالضرورة إلى زيادة معدلات التضخم.
آثار الانكماش الاقتصادي العالمي على مستوى سوق الأسهم
ذكرنا في السابق، أن الانكماش الاقتصادي يؤدي إلى تراجع في الإنتاجية، وهذا بدوره يؤدي إلى تراجع في أرباح الشركات وهو ما يؤدي إلى انخفاض في قيمة أسهم هذه الشركات أو القيمة السوقية لها، كما يمكن أن يؤدي إلى تراجع الثقة وتقليص الاستثمارات في الأسواق المالية.
آثار الانكماش الاقتصادي على مستوى العملة المحلية
بشكل أساسي يؤثر الانكماش في أسعار السلع والخدمات المحلية فيؤدي إلى انخفاضها، وهو ما يؤدي إلى ارتفاع في القيمة الحقيقية للعملة المحلية.
ومعنى ذلك أنه بإمكانك شراء كمية أكبر من السلع والخدمات مقابل الوحدة النقدية في بلدك، لكن ذلك سيضر المستثمرون والمدينون بالإضافة إلى رجال الأعمال.
آثار الانكماش الاقتصادي العالمي على مستوى العملات الرقمية والمعادن الثمينة
في الواقع، من الممكن أن يؤدي الانكماش الاقتصادي إلى تراجع قيمة العملات الرقمية بسبب تراجع ثقة المستثمرين فيها، ناهيك عن تراجع حجم التداول فيها.
وعلى النقيض من ذلك، يشهد سوق المعادن الثمينة ارتفاعًا في أسعارها نتيجة الطلب المتزايد عليها بوصفها ملاذًا آمنًا يحفظ مدخرات الناس.
مع ذلك، من الممكن أن نشهد تراجعًا في حجم التداول في سوق المعادن الثمينة نتيجة لرغبة المستثمرين في الحفاظ على مدخراتهم ضمن الأصول الثابتة بعيدًا عن التداول المحفوف بالمخاطر.
آثار الانكماش الاقتصادي على مستوى الأفراد
تكون الصدمة الناتجة عن الانكماش أكثر قوة بالنسبة للأسر ذات الدخل المنخفض. حيث يهدد الانكماش الاحتياجات الأساسية كالغذاء والرعاية الصحية والسكن، كما ترتبط حالات الفقر بزيادة معدلات الصراع الأسري بالإضافة إلى إهمال الأطفال وإساءة معاملتهم.
كيفية علاج الانكماش الاقتصادي
يمكن علاج الانكماش الاقتصادي عن طريق حزمة من الإصلاحات الاقتصادية ومنها:
- التحفيز النقدي.
- التحفيز المالي.
- تعزيز التجارة الخارجية.
- تنظيم التجارة الداخلية.
- الاستثمار في التعليم.
التحفيز النقدي
من خلال لجوء البنوك المركزية إلى تخفيض أسعار الفائدة وذلك في خطوة لتشجيع الاستثمار وزيادة الإنفاق وتعزيز الطلب على المنتجات والخدمات.
التحفيز المالي
من خلال زيادة الإنفاق الحكومي على المشاريع والخدمات العامة لتوفير فرص عمل جديدة بالإضافة إلى تحفيز الاستثمارات الخاصة.
تعزيز التجارة الخارجية
عن طريق الاتفاقيات الدولية التي تهدف إلى تعزيز الصادرات لتحقيق عائدات أكبر بالقطع الأجنبي بالإضافة إلى تعزيز الطلب على السلع والمنتجات المحلية.
تنظيم التجارة الداخلية
من خلال الضبط الحكومي للأسواق لتخفيض أثر التضخم على الأسعار وبالتالي تقليل تأثير الانكماش الاقتصادي على المواطن.
الاستثمار في التعليم
ضخ المزيد من الأموال في استثمار التعليم والتدريب وذلك لتحسين المهارات الإنتاجية العامة لدى المواطنين وتشجيع المشاريع الريادية.
هل نحن على موعد مع انكماش اقتصادي جديد؟
أشار الخبير الاقتصادي الدولي إيهان كوس إلى التباطؤ في النمو العالمي، حيث من المتوقع أن يبلغ الناتج الإجمالي العالمي 1،7٪ فقط في 2023 وذلك وفقًا لاحدث تحليل صادر عن البنك الدولي.
ويضيف أن الخبراء يحذرون من أن الانكماش القادم سيؤثر على 95٪ من الاقتصادات المتقدمة بالإضافة إلى 70٪ من الأسواق الناشئة والاقتصادات النامية وذلك سيؤدي مع الأسف إلى زيادة في معدلات الفقر ضمن تلك المناطق.
في اللقاء نفسه، شدد إيهان كوس على أن حالة التباطؤ الاقتصادي الحالية هي واحدة من أشد حالات التباطؤ التي شهدناها على مدار الخمسة عقود الماضية.
ووفقًا للتقارير، ستعاني منطقة اليورو بالإضافة إلى أمريكا من الانكماش الاقتصادي القادم. ناهيك عن الصين التي تشهد انتشارًا جديدًا لجائحة كورونا.
والجدير بالذكر أن أسعار الفائدة حول المستوى العالمي بلغت نحو 5٪، وفي حالة ارتفاعها إلى 6٪ سينتهي بنا الحال إلى انكماش وركود اقتصادي.
كيف يمكنك الاستعداد للانكماش الاقتصادي؟
في وقتنا الحالي، يجب على الأفراد والشركات والحكومات أن يكونوا على استعداد لمواجهة التحديات المحتملة التي يمكن أن تعصف بالاقتصاد العالمي.
يجب على الأفراد ضبط ميزانياتهم الشخصية وبناء حسابات توفير جيدة للتأكد من قدرتهم على تلبية احتياجاتهم الأساسية في حالة تدهور الوضع الاقتصادي.
بالإضافة إلى ذلك، يجب على الشركات التفكير في تنوي diversification في أعمالهم واستراتيجياتهم التجارية لتقليل مخاطر الخسائر، ومن جهة أخرى، يجب على الحكومات النظر في سياسات اقتصادية قوية تدعم القطاعات الحيوية وتوفير فرص عمل للمواطنين.
بصفة عامة، يتعين على الجميع أن يكونوا حذرين وحكيمين في إدارة مواردهم واستخدامها بشكل مستدام، مع التركيز على تعزيز الاستدامة والابتكار في جميع جوانب الحياة والاقتصاد، فالاستعداد والتكيف سيكونان العاملين الرئيسيين في التغلب على التحديات التي قد تطرأ خلال فترات الانكماش الاقتصادي.
الأسئلة الشائعة حول الانكماش الاقتصادي العالمي
ما الفرق بين التضخم والانكماش؟
التضخم هو مصطلح يشير إلى زيادة في مستوى الأسعار بشكل مستمر وقد يؤدي في بعض الحالات إلى انخفاض القيمة الشرائية للعملة.
بينما يشير الانكماش الاقتصادي العالمي إلى انخفاض النشاط الاقتصادي، وبالتالي من الممكن أن يؤدي الانكماش الاقتصادي إلى التضخم في حال استمرار ارتفاع الأسعار على الرغم من تراجع الطلب على السلع، أو على العكس حيث من الممكن أن يؤدي التضخم إلى حصول انكماش اقتصادي.
ما الفرق بين الكساد والانكماش الاقتصادي؟
يشير مصطلح الكساد الاقتصادي إلى فترة طويلة من الركود الاقتصادي الشديد والانخفاض الكبير في الناتج المحلي. وبالتالي فإن الكساد الاقتصادي يستمر لفترة طويلة بينما يعتبر الانكماش الاقتصادي أقصر مدة.
لماذا يمكن أن يكون الانكماش أسوأ من التضخم؟
لأن الانكماش الاقتصادي من الممكن أن يؤثر على كل النواحي الاقتصادية ابتداءً من زيادة معدلات البطالة مرورًا في تراجع الإنتاجية التي تؤثر على الشركات والمصانع والأفراد وليس انتهاءً بتأثيره على الاستثمار. وبالتالي فإن تأثير الانكماش الاقتصادي أشمل وأشد قوة. كما أن التضخم ضمن معدلات مقبولة لا يعتبر مشكلة، بل على العكس يمكن اعتبار التضخم بهامش صغير دليلًا على صحة الاقتصاد.
أضف إلى ذلك أنك تستطيع حماية نفسك من تأثير التضخم عبر استثمار أموالك ضمن مجالات مختلفة، ولكن حماية نفسك من الانكماش يعتبر أكثر صعوبة والديون تصبح أكثر تكلفة في الانكماش على عكس ما يحدث في التضخم.
هل الركود هو الانكماش؟
يمكن اعتبار الانكماش الاقتصادي نوعًا من أنواع الركود الاقتصادي مع وجود بعض الاختلافات بينهما.
عندما يكون الاقتصاد القومي في حالة انكماش ماذا على الدولة أن تعمل؟
يجب على الدولة أن تتخذ إجراءات حاسمة لتعزيز قدرة الاقتصاد القومي على الخروج من حالة الانكماش، ومن أبرز تلك الإجراءات:
- خفض أسعار الفائدة لتشجيع الاستثمار.
- تقديم الدعم اللازم للشركات لتحفيزها على زيادة الإنتاجية والتوسع في أنشطتها.
- تعزيز الصادرات.
- تعزيز البرامج التنموية لزيادة النمو الاقتصادي.
وبذلك نكون قد تحدثنا عن الانكماش الاقتصادي العالمي من حيث المفهوم والأسباب والنتائج وطرق العلاج. وفي الختام، علينا أن ندرك حقيقة أن الأزمات الاقتصادية هي جزء لا يتجزأ من الحياة وستستمر في الظهور والاختفاء إلى الأبد، ولذلك علينا أن نكون متيقظين دومًا ومستعدين لمواجهتها.