في عالم الأسواق المالية، توجد العديد من الأدوات المالية التي تساعد الشركات والحكومات على تحقيق أهدافها المالية وتلبية احتياجاتها التمويلية.
من بين هذه الأدوات، تبرز الصكوك والسندات كأدوات مالية رئيسية تستخدم لجذب رؤوس الأموال من المستثمرين، وعلى الرغم من الشبه الظاهري بينهما، إلا أن لكل منهما خصائصها الفريدة التي تجعلها تختلف في الهيكل والطبيعة والغايات.
في هذا المقال، سنستعرض الفرق بين الصكوك والسندات، والمخاطر المصاحبة لهما.
مفهوم الصكوك
مفهوم الصكوك، أو السندات الإسلامية، مرتبط بمبادئ التمويل الإسلامي ويتبع إرشادات الشريعة الإسلامية.
مصطلح الصكوك مستمد من الكلمة العربية “سكّ”، والتي تعني شهادة، على عكس السندات التقليدية، توفر الصكوك عائدًا مشابهًا للفائدة، ولكن مع فارق كبير: حيث يحصل حَمَلَةُ الصكوك على حصة ملكية في الأصل الذي يقوم عليه العمل التجاري.
تربط هذه الحصة الملكية بين العائد على الاستثمار وأداء الأصل في السوق، وغالبًا ما يُشار إلى الصكوك باسم “سندات متوافقة مع الشريعة” لأنها تموّل الشركات التي تلتزم بقوانين الشريعة الإسلامية.
في التمويل الإسلامي، يجب أن تلتزم المعاملات بعدة مبادئ، بما في ذلك:
- تجنب الربا: الصكوك تلتزم بمنع قبول الربا، وهو مبدأ أساسي في الشريعة الإسلامية.
- تجنب الغموض (الغرر): تجنب المعاملات التي تحتوي على عناصر من الغموض، مما يضمن الوضوح والعدالة في التعاملات المالية.
- تجنب الربح بالجهل: لا ينبغي أن يحصل الشخص على ربح على حساب جهل الآخرين، ويُشدد على الشفافية والمعرفة.
- المال كوسيلة للتبادل: تعتبر الشريعة الإسلامية المال وسيلة للتبادل ووحدة قياس، وليس كموجود ذاتي.
كيف تعمل الصكوك والسندات التقليدية
الصكوك، أو السندات الإسلامية، تعمل بشكل مختلف عن السندات التقليدية، إليك كيفية عمل الصكوك مقارنة بالسندات التقليدية:
الصكوك
- الإصدار: تُصدر الصكوك لتمويل أصول أو مشروعات محددة.
- الاستثمار: يشتري المستثمرون الصكوك ويصبحون حملة الصكوك، حيث يتلقون شهادة تثبت ملكيتهم.
- الملكية: يحصل حملة الصكوك على حصة ملكية في الأصل أو المشروع الذي يتم تمويله.
- المدفوعات الدورية: يتلقى حملة الصكوك دفعات ربح دورية، غالبًا ما تكون مستمدة من الإيجار الذي يُولَّدُه الأصل أو الأرباح التي يُحقَّقها الأصل في السوق.
- الاستحقاق: عند الاستحقاق، يتلقى حملة الصكوك المبلغ الرئيسي المسترد.
السندات التقليدية
- الإصدار: تُصدر السندات من قبل الحكومات أو الشركات لجمع رأس المال.
- الاستثمار: يشتري المستثمرون السندات ويصبحون حملة السندات، دون ملكية مباشرة في أي أصول محددة.
- المدفوعات الفائدة: يتلقى حملة السندات دفعات فائدة دورية، سواء كانت ثابتة أم متغيرة، استنادًا إلى معدل العائد على السند.
- الاستحقاق: عند الاستحقاق، يتلقى حملة السندات المبلغ الرئيسي المسترد.
اقرأ أيضا: للمستثمرين: سندات الخزينة بين إيجابياتها وسلبياتها وطرق استثمارها
أنواع الصكوك
- صكوك الإجارة: يتم تأجير الأصول، والمدفوعات الإيجارية تُعتبر دفعات دورية لحملة الصكوك.
- صكوك المرابحة: يُستخدم عائد الصكوك لشراء الأصول، ويتم بيعها بفارق سعر، وتُستخدم الأرباح للمدفوعات.
- صكوك الاستصناع: يُدفع عائد الصكوك للمقاولين لشراء أصول مستقبلية، تُباع لسداد حملة الصكوك.
- صكوك السلم: تُستخدم أموال الصكوك لدفعات فورية لتسليم سلع مستقبلية، تُباع لاحقًا للدفعات.
- صكوك المضاربة: تمويل شراكات تجارية؛ تُشارك الأرباح بين المُصدِر ورجال الأعمال؛ تُستخدم للمدفوعات.
- صكوك المشاركة: تمويل مشروعات مشتركة؛ يتلقى حملة الصكوك دفعات دورية وعند الاستحقاق.
ما هو الفرق بين الصكوك والسندات؟
الصكوك والسندات التقليدية يشتركان في بعض السمات، لكن توجد فروق جوهرية بينهما.
إليك أبرز نقاط الاختلافات والفرق بين الصكوك والسندات:
الملكية مقابل الالتزام بالديون
إليك الفرق بين الصكوك والسندات في الملكية والالتزام بالديون:
- الصكوك: تُمثل الصكوك ملكية للأصول الملموسة، حيث تمنح المستثمرين ملكية جزئية في القيمة الفعلية للأصل.
- السندات: تُشير السندات إلى الالتزام بالدين؛ حيث تعني ملكية السندات أن صاحبها يحمل وعدًا بسداد الدين.
الأصول المتوافقة مع الشريعة مقابل الأصول غير المقيدة
الفرق بين الصكوك والسندات في الأصول المتوافقة مع الشريعة والأصول غير المقيدة جوهري جدًا، إليك أبرز نقاط الاختلاف:
- الصكوك: يجب أن تتوافق الأصول المدعومة بالصكوك مع الشريعة الإسلامية، مما يستبعد الاستثمارات التي تحقق دخلًا من مصادر محظورة، كما تُستثنى الأنشطة التي تعتمد على الفوائد.
- السندات: يمكن للسندات تمويل مجموعة واسعة من الأصول والمشاريع والأعمال أو المشروعات المشتركة التي تتوافق مع القوانين المحلية.
قيمة الأصول مقابل القدرة الائتمانية
إليك الفرق بين الصكوك والسندات في قيمة الأصول والقدرة الائتمانية:
- الصكوك: ترتبط قيمة الصكوك بالقيمة السوقية للأصل الأساسي.
- السندات: تعتمد قيمة السندات على قدرة الجهة المُصدِرة على سداد الدين، التي غالبًا ما تُظهر بواسطة تصنيف الائتمان.
القيمة المتغيرة مقابل القيمة الثابتة
إليك الفرق بين الصكوك والسندات في القيمة المتغيرة والقيمة الثابتة:
- الصكوك: تتغير قيمة الصكوك مع أداء الأصل الأساسي؛ حيث يؤثر الارتفاع أو الانخفاض في قيمة الأصل على قيمة الصكوك.
- السندات: يتلقى حملة السندات دفعات فائدة ثابتة ولا يؤثر عليهم أداء الأصل.
بيع الأصول مقابل بيع الديون
الفرق بين الصكوك والسندات في بيع الأصول وبيع الديون كالآتي:
- الصكوك: عند بيع الصكوك في السوق الثانوية، ينقل المستثمرون ملكية الأصول التي تدعمها الصكوك.
- السندات: يشمل بيع السندات في السوق الثانوية نقل الدين المرتبط بالعلاقة القرضية الأساسية.
دور المشتري
الفرق بين الصكوك والسندات في دور المشتري يتلخص في الآتي:
- السندات: يكون المشتري مقرضًا، والجهة المُصدِرة للسندات هي المقترضة، مما يُشكِّل علاقة مدين ودائن.
- الصكوك: يحصل المشتري على ملكية جزئية في أصل له قيمة ملموسة، ثم يؤجر هذا الأصل إلى الجهة المُصدِرة للصكوك، حيث يكسب بشكل أساسي الإيجار عن استخدامه، هذا الترتيب يختلف عن اتفاقية القرض التقليدية، والدينامية بين المستثمر والشركة المُصدِرة فريدة.
الفرق بين الصكوك والسندات يعكس الاختلافات الجوهرية في الطبيعة والهيكل بين الاثنين، مما يجعل الصكوك أداة مالية مميزة، وهي ذات أهمية خاصة في التمويل الإسلامي.
المخاطر التي تؤثر على الصكوك والسندات؟
على الرغم من وجود الاختلافات والفرق بين الصكوك والسندات في التعاملات المالية، إلا أن الاثنين يواجهان مخاطر مشتركة تتمثل في الآتي:
المخاطر التجارية والمالية
في هذا السياق، تتقاطع المخاطر بين الصكوك والسندات، في السندات التقليدية، يتعين على حاملي السندات اللجوء إلى المصدر للحصول على المبالغ غير المدفوعة، وهذا يشمل إمكانية دعوى قضائية ضد المصدر.
بالمقارنة، يلجأ حاملو الصكوك إلى الأصول المرتبطة بالصكوك بدلًا من الفرد المدين، مما يوفر مزيدًا من الاستقرار لحاملي الصكوك.
مخاطر السيولة
على الرغم من الفرق بين الصكوك والسندات في عدة أمور إلا إنهما يواجهان خطر نقص السيولة معًا، التي تأتي من عدم القدرة على بيع السندات أو الصكوك بسعر معقول وفي الوقت المناسب، نتيجة لنقص السوق الثانوية أو عدم كفاءتها.
تعد السيولة تحديًا خاصًا للصكوك بسبب القيود الشرعية على تجارة الديون، مما يجعل تطوير سوق ثانوية مناسبة أمرًا بالغ الأهمية للصكوك أكثر من السندات التقليدية.
مخاطر التضخم
معدلات التضخم المرتفعة تؤثر بطرق مختلفة على السندات والصكوك، في السندات التقليدية، قد يكون التضخم أعلى من دفعات الفائدة، مما يؤدي إلى تقليل القيمة الحقيقية للدخل الذي توفره.
مع ذلك، قد يكون التضخم المرتفع لصالح الصكوك، حيث يؤدي إلى زيادة قيمتها عند الاستحقاق، مما يمنح حاملي الصكوك عائدات أعلى.
مخاطر الصرف الأجنبي
على الرغم من الفرق بين الصكوك والسندات لكنها يواجهان معًا، مخاطر الصرف الأجنبي، خاصةً عندما يتعلق الأمر بالسندات التي تصدر بعملة أجنبية.
التقلبات في أسعار الصرف قد تؤثر سلبًا على القيمة الأصلية للاستثمارات، ومع ذلك، يُلاحظ أن الصكوك السائلة أو قصيرة الأجل تكون أقل عرضة لهذه المخاطر نظرًا لطبيعتها.
مخاطر التخلف عن السداد
هناك خطر من أن المصدر لن يكون قادرًا على سداد المدفوعات المستمرة أو القيمة الأساسية للسندات أو الصكوك.
تجعل الصكوك من الصعب على حامليها استرداد استثماراتهم في حالة التخلف عن السداد، نظرًا لشهادتها للملكية.
هذا الوضع يزيد من المسؤولية المحتملة على مديري الصكوك، حيث تكون إمكانية استرداد الخسائر محدودة، خاصة في حالات “القوى الكبرى” أو الأزمات المالية العالمية.
التصنيفات الممنوحة للصكوك
تقوم وكالات تصنيف الائتمان بتقييم الصكوك بشكل مماثل للسندات التقليدية، حيث تُقدم تصنيفات مثل AAA إلى AA (ممتاز)، A إلى BBB (درجة استثمار جيدة)، BB إلى B (ضعيف)، أو ليست ذات درجة استثمارية.
مع ذلك، تتضمن خصائص الصكوك الفريدة، التي لا تتوافق تمامًا مع معايير السندات التقليدية، تساؤلات حول مدى كفاية أساليب التصنيف الحالية.
على الرغم من قبولها على نطاق واسع، إلا أن هناك اعتقادًا متزايدًا بأن هذه الممارسات تحتاج إلى تعديل بسبب الطبيعة المميزة للصكوك.
اتجاهات سوق الصكوك
على مدى العقد الماضي، شهدت سوق الصكوك نموًا كبيرًا، حيث جذبت المستثمرين على مستوى عالمي، في البداية كانت الصكوك مشهورة في منطقة الشرق الأوسط وجنوب شرق آسيا، لكن إصدارات الصكوك انتشرت إلى الدول التي تحتوي على جماعات مسلمة كبيرة مثل تركيا وإندونيسيا وباكستان.
علاوة على ذلك، أصبحت الدول التي لا تحتوي على جماعات مسلمة كبيرة مثل المملكة المتحدة وجنوب أفريقيا ولوكسمبورغ أيضًا تصدر الصكوك بانتظام.
تشير هذه الاتجاهات إلى قبول أوسع للصكوك خارج الأسواق التقليدية، حيث يسعى المستثمرون إلى التنويع والابتعاد عن الأصول التقليدية.
في الختام، تعد الصكوك والسندات أدوات مالية مهمة للشركات والحكومات لجمع رأس المال، ومع ذلك، الفرق بين الصكوك والسندات يعكس طبيعة كل أداة وأهدافها.
تُعد الصكوك أداة مالية إسلامية تستند إلى مبادئ الشريعة الإسلامية، مما يعني أنها لا تتضمن فائدة، بدلًا من ذلك، يُمنح حاملي الصكوك حصة ملكية في الأصول التي يدعمها الصكوك، مما يربط عائد الاستثمار بأداء الأصل.
السندات، من ناحية أخرى، هي أدوات مالية تقليدية تستند إلى مبادئ التمويل التقليدي، تمنح حاملي السندات حقوقًا على الدين، مما يعني أنهم يتلقون مدفوعات فائدة ثابتة من المصدر.
على الرغم من الفرق بين الصكوك والسندات، إلا أنهما يواجهان مخاطر مشتركة، بما في ذلك المخاطر التجارية والمالية، ومخاطر السيولة، ومخاطر التضخم، ومخاطر الصرف الأجنبي، ومخاطر التخلف عن السداد.